الأحد، أبريل 11، 2010

7- جيفيت بكشيش ....


تشتهر مصر عند دول العالم الغربي والشرقي والعربي بإحدي عجائب الدنيا السبع التي ظلت صامدة أمام كل الأحداث والكوارث الطبيعية التي مرت بالبلاد علي مر ألاف السنين ألا وهي الأهرامات. فعندما يذكر إسم مصر أمام أي شخص أجنبي لابد أن يمر بذهنه مباشرة صورة للأهرامات الثلاثة وحارسهم الأمين أبو الهول في منظر بديع يتمني الوقوف عنده ملايين البشر ليسترجعوا مشاهد من التاريخ ويستحضروا عظمة البناء المصري القديم الذي إستطاع بأبسط الأدوات الإنشائية وبعض الوجبات الغذائية التي تستعمل اليوم كمكونات السلطات العربية والإفرنجية من بصل وكرات وجرجير - حيث لم يكن متوفرا وقتها وجبات الكومبو من ماكدونالدز أو من الخواجة كنتاكي – أن يقوموا ببناء هذه العجيبة التي تعتبر إحدي أسباب فخرنا اليوم كمصريين وإن كنا لاننتمي تقنيا أو ثقافيا للبناء المصري القديم بشهادة العمارات الصندوقية التي تم رصها في أحياء القاهرة والبيوت المتهالكة التي يسكنها معظم أبناء هذا الوطن في محافظات الصعيد والدلتا والتي تم بناءها من الطوب اللبن. عموما هذا ليس بموضوعنا الان وسنعود إليه في حينه.

إلا أن السائح الأجنبي سواء كان العربي أو الغربي أو الشرقي عندما تسعده الظروف بزيارة مصر للتمتع بجمال أثارها في الأقصر وأسوان أو في منطقة الأهرامات بالجيزة أو للإستمتاع بطقسها البديع في شرم الشيخ والغردقة فإنه يخرج من مصر بتجربة إنسانية فريدة يوجزها أي أجنبي في جملة واحدة يتذكرها جيدا لكثرة مايراها ويحسها وإن كان لايسمعها.

جيفيت بكشيش

بمجرد أن يهبط السائح إلي أرض الوطن الغالي وداخل أحدي مطاراتنا الدولية متوجها إلي مكان إستلام الحقائب حيث عربات حمل الحقائب متوفرة وبدون مقابل لكل القادمين ، إذا بالعربات قد إختفت ولم يبقي إلا بعض العربات بيد طاقم العمل بالمطار والذين يرتدون كلهم زي موحد يعطيهم الشرعية في التعامل مع المسافرين بشكل رسمي.

المهم أنه إذا إحتاج أحد السائحين إلي عربة لحمل حقائبة فإنه لابد أن يتجه إلي هذا الشخص الذي يرتدي الزي الوظيفي طالبا العربة وفي هذه الحالة تتجلي العبقرية المصرية أو مانسميها نحن بالبلدي (الفهلوة المصرية) :

الشخص الموظف : ويلكوم (مرحبا)

السائح : سانكس (شكرا)

الشخص الموظف : كار (عربة)

السائح : يس بليز ( نعم من فضلك)

الشخص الموظف : يور باجز نمبر بليز ( أرقام شنطك من فضلك)

السائح : واط

الشخص الموظف : باجز نمبرز ..... تيكيت ( أرقام الشنط ... التذكرة)

السائح : زيس ( هذه هي )

الشخص الموظف : وان مينيت ( دقيقة واحدة)

ويذهب الشخص الموظف ليعبر من فوق سير الشنط إلي فتحة دخول الحقائب حيث يقوم بالبحث عن حقائب السائح حسب الأرقام التي حصل عليها في مهمة إختيارية قررها هو بنفسه وفرضها علي صديقنا السائح ليحضر له الحقائب بدون أن ينتظرها علي السير وذلك حتي يشعره بأهميته وأنه إنسان مميز يتم إنزال حقائبه وحده من علي السير قبل وضعها مع حقائب الناس العادية التي ستضطر للإنتظار في الساحة حتي تصل إليها حقائبها علي السير .. ياحرام. وطبعا لكم إن تتصوروا عشرات من الأشخاص الموظفين يقفون في المنطقة الخلفية وهم يبحثون عن بعض الحقائب التي حصلوا علي أرقامها من أصحابها بقوة الذراع السلسة المقنعة – وذلك عندما أقنعوهم أن هذا هو النظام – وفي سبيلهم للبحث عن هذه الحقائب يتم تعطيل باقي المسافرين ليقفوا أمام السير الذي لايعمل وهم يتسألون .. ماذا حدث ؟

وفجأة يضهر الشخص الموظف وقد حصل علي الحقائب وقام بوضعها علي العربة ويذهب بها إلي صديقنا السائح وقد عين نفسه دليلا سياحيا له في المطار حيث يسير بالعربة في يده وهو يأمره أن يتبعه إلي دائرة الجمارك وصاحبنا السائح يسير ورائه وهو لاحول ولاقوة له حتي الوصول إلي دائرة الجمارك فيطلب الشخص الموظف من السائح أن يعطيه جواز سفره وهو يقول له : يور باسبور (جواز سفرك). فيقوم السائح بإخراج جواز السفر وإعطائه للشخص الموظف والذي يقوم بدوره بتقديمه لمأمور الجمارك وعلي وجهه إبتسامه راجيه مفادها أن هذا السائح تابع له وأنه لابد من تيسير الإجراءات حتي يستطيع الحصول علي مقابل معقول لخدماته التي لم ولا يحتاجها أحد من الركاب.

وبنظرة تعاطف من السيد مأمور الجمارك إلي الشخص الموظف ونطرة إستقبال إلي السائح وهو يمسك بجواز سفره يقلبه بين يديه ويبدأ في حمل الحقائب بيده - التي قام الشخص الموظف بإنزالها عن العربة - وهو يتحدث إلي السائح:

مأمور الجمارك : ويلكوم سير ( أهلا وسهلا سيدي)

السائح : سانكس ( شكرا)

مأمور الجمارك : دو يو هاف إني ثينج ويز يو ( هل تحمل أي شئ معك)

السائح : نو ، جست سوم كلوز ( لا ، فقط بعض الملابس)

مأمور الجمارك : ويلكوم إن إيجيبت ( أهلا بك في مصر)

السائح : سانكس ( شكرا)

ويبدأ الشخص الموظف في حمل الحقائب مرة أخري ووضعها علي العربة والإتجاه نحو بوابة الخروج ليقف عند بوابة المطار وهو يبتسم إلي السائح إبتسامة إستعطاف وهو يقول له : إني سيرفيز ( أي خدمة).

ويبدأ صديقنا السائح في وضع يده في جيبه وهو يسأل الشخص الموظف عن أتعابه نظير خدماته التي فرضها عليه فرض والتي يشعر الآن أنه لم يكن ليحتاج هذه الخدمات خاصة وأن باقي المسافرين الذين قاموا بتحميل أمتعتهم بأنفسهم قد بدأوا في الخروج معه وفي نفس التوقيت وبدون أي مساعدة إجبارية من أي شخص موظف أخر.

السائح : هاو ماتش دو يو وانت ( كم تريد)

الشخص الموظف : إني سينج .. تين دولارز ( أي شئ ... عشرة دولارات)

السائح : إيزيت ذي تاريف ( هل هذه هي التعريفة)

الشخص الموظف : يس سير ( نعم ياسيدي)

السائح : يومين تين باوندز ( يمكن تقصد عشرة جنيهات)

الشخص الموظف : نو باوندز ياخواجة .. دولارز ( لا ليست بالجنيه .. بالدولار)

السائح : أي دونت هاف دولار ، أونلي يورو ( ليس لدي دولار ، فقط يورو)

الشخص الموظف : أوكيه .. تين يورو ( إذا فهي عشرة يورو)

السائح : واط (ماذا)

الشخص الموظف : يورو ياخواجة .. يورو. ده باين عليه خواجه من شبرا

السائح : نو ذيس ايز تو ماتش ( هذا كثير)

الشخص الموظف : هاف اور ياخواجه كاري هيير أند هيير ( نصف ساعة ياخواجه أحمل هنا وهنا )

السائح : ذيس أيز تو ماتش باط .... أوكيه ( الأمر لله)

وأنتصر الشخص الموظف علي صديقنا السائح حيث إستطاع أن يختم علي جواز سفره بالختم المصري .. جيفيت بكشيش وأن يختم علي هويتنا بفكر الذراع .

تري أين تكمن المشكلة ؟

إنني لا أعتقد أن المشكلة فينا بقدر ماهي في قدرتنا علي أن نتحدي أنفسنا . إنني أعتقد أنه في كل دول العالم نجد أن العاملين في المحال العامة يأخذون البقشيش بل أنني أتذكر يوم كنت في أمريكا وقد تطوعت بدعوة بعض الأصدقاء العرب الأمريكين والأمريكين في مطعم لبناني شهير يقدم الكباب والكفتة اللبنانية المتميزة والتي وجدتها فرصة للتقارب مع أصدقائي العرب المتأمركيين كما أنها كانت فرصة لتقديم بعض من ثقافتنا الطعامية لإصدقائنا الأمريكان.

وعندما إنتهينا من العشاء وجاء وقت الحساب ، فإنني قد وضعت كارد الفيزا الخاص بي في صندوق الحساب حيث أخذته النادلة وقامت بسحب المبلغ المطلوب ، وبمنتهي حسن النية ولإنني كنت أعتقد أنهم هناك لايأخذون أي بقشيش فقد أخذت الكارد وهممت بالمغادرة حيث أوقفتني النادلة وسألتني : هل لم تعجبك خدمتنا في المطعم ؟

وعندما أجبتها بأنني أجد خدمتهم متميزة جدا ، فقد فاجأتني بالسؤال الأصعب ... ولماذا لم تترك لي بقشيش ؟

وشعرت بالإحراج ونظرت إلي أصدقائي الذين تنبهوا للموقف وقام أحدهم بشرح الموقف ، حيث أن هذا المطعم لايضيف رسوم الخدمة المعروفة في باقي المطاعم والتي تكون في حدود 12% ويترك ذلك للزبون الذي إن أعجبته الخدمه فإنه يترك البقشيش الذي يريده وحسب تقديره وهو مايدفع العاملين بالمطعم إلي تقديم أعلي مستوي خدمة من أجل الحصول علي أعلي بقشيش ممكن .

عجبا لهؤلاء الأمريكان .... لقد إستطاعوا أن يضعوا النظام الذي يقننون به البقشيش أيضا .

إذا الأمر ممكن لو أردنا ...

فقط أن نبحث عن النظام الذي يجعل البقشيش مقننا أو لنجعله رسم خدمة مدفوعة ومعلومة للمصريين وللأجانب حتي لايقوم بعضنا بتشغيل أجهزة الفهلوة لديهم لجني مالايستحقونه مقابل خدمات لانطلبها.

هل هو كثير أن نحدد خدماتنا التي نقدمها للغير ؟

هل هو كثير أن نتأكد من أننا نقدم هذه الخدمات بالفعل ؟

هل هو كثير أن نحدد رسوم هذه الخدمات

أم هل هو كثير أن نضع تسعيرة للإنسان المصري تقيه مذلة السؤال ؟

ليست هناك تعليقات: