الأحد، أبريل 18، 2010

16 - وأخيرا .... ثقافة بالذراع


سؤال يفرض نفسه علينا ويحتاج لإجابة متأنية من كل منا :

هل لإننا نسير في منحدر فإننا حتما سننتهي إلي القاع ؟

هل المنحدر هو طريق يصل دائما بين القمة والقاع ومن سلكه سينتهي به الأمر إلي أن يقبع في القاع ومن سلك عكسه وتكبد مشاق صعود المنحدر هو في طريقه إلي القمة ؟

إنني أعتقد أن الكثيرين هنا يتفقون علي ماهية المنحدر وإتجاهه من القمة إلي القاع هندسيا ، ولكنني أود أن أخذكم إلي البعد الفلسفي في تفسير المنحدر ..

إننا عندما نكون متجهين في إتجاه المنحدر تزداد سرعتنا بفعل الجاذبية عن معدلاتنا أثناء الصعود كما أن زاوية الرؤية لدينا تتسع نظرا لإن إتجاه الرؤية لإسفل يتوافق مع إتجاه أجسامنا التي تتجه هي الأخري للأسفل عنه في الصعود والذي نحتاج إلي مجهود لنرفع رؤسنا إلي أعلي لنزيد من مساحة الرؤية لدينا.

أو بمعني أخر ، فإن الطريق المنحدر هو الأسهل لنا عن إتجاه الصعود العكسي حيث تكون أجسامنا ورؤسنا متوحدة مع إحساسنا بالإتجاه إلي أسفل ولانحتاج إلي إستخدام عضلاتنا لنرفع رؤسنا إلي أعلي. علي الصعيد الأخر فإن الإنحدار يزيد من سرعتنا وهو مايعطينا الإحساس الزائف بالمغامرة الأمر الذي قد ينسينا أننا نتجهه إلي القاع وأن إتجاه القمة خلفنا.

ولكن يظل السؤال قائما : هل الطريق المنحدر لابد أن يؤدي بنا إلي القاع ؟

لقد كنا ونحن صغارا نذهب إلي الملاهي لنركب المرجيحة التي نعمل بقوة لندفعها إلي أعلي ثم نستسلم لها وهي تتجه إلي أسفل حيث لانقوم بأي مجهود ونتركها تهوي إلي القاع ومن ثم تولد قوة دفع ذاتية لتصعد بنا مرة أخري إلي أعلي وهكذا دواليك.

أي أننا لكي نصعد إلي أعلي ، فهناك طريقان لاثالث لهما :

الطريق الأول : أن نقوم نحن بالمجهود ونولد قوة الدفع التي تأخذنا في عكس قوة الجاذبية لتصعد بنا إلي أعلي بشرط أن تكون القوة التي سنولدها أكبر من المقاومة التي تعوق طريقنا والمتمثلة في إرتفاع الطريق وشدة الميل والتي تتطلب قوة دفع إضافية وقت بداية الطلوع تتناقص بالتبعية كلما زاد الإرتفاع وقلت شدة المقاومة.

الطريق الثاني : أن نستغل طريق الإنحدار والذي يتولد عنه قوة دفع ذاتيه تزيد من إرتفاعنا بدون مجهود منا بشرط أن لانقوم نحن بتوليد مقاومة تعيق تقدمنا الذي إكتسبناه من شدة إنحدارنا.

لهذا ، فإننا نكون دائما مطالبين بإستغلال شدة الإنحدار كمصدر توليد طاقة دفع ترتفع بنا إلي أعلي مع بذل بعض المجهود كلما إتجهنا مرة أخري إلي أعلي لنصل إلي الإرتفاع الذي نريده. فقط تذكروا المرجيحة التي كنا نركبها ونحن صغارا لتصلوا إلي القناعة أن الإنحدار هو مصدر طاقة قد يصل بنا إلي أعلي فقط إذا ماحركنا أرجلنا حتي ونحن وقوف.

ولإن الحياة تسير بنا جميعا في مسار منحني متقلب بين الصعود والهبوط لايثبت أبدا عند نقطة واحدة ، بل أننا كلما زاد إرتفاعنا تأكدنا أننا في طريقنا إلي بداية دورة الهبوط مرة أخري ليس لتقاعسنا أو فشلنا ، ولكن لإن هذه هي طبيعة الحياة التي لاتثبت أبدا عند وضع ثابت من الإرتفاع أو الهبوط ولكنها دائما تتأرجح بين هذا وذاك.

والأمثلة كثيرة جدا علي الأمم التي وصلت في وقت من الأوقات لأن تتسيد العالم ثم أتي عليها الزمان لتصبح في طي النسيان ، ولكم في الأمم السابقة عبرة ياأولي الألباب.

هل لي أن أذكركم بقوم عاد وثمود الذين لم يخلق مثلهم في البلاد .... أين هم الآن وماذا حل بهم ؟

هل لي أن أذكركم بالفراعنة الذين أقاموا حضارة لازالت أثارهم شاهده عليهم إلي الآن .... أين هم الآن وماذا حل بهم ؟

هل لي أن أذكركم بدولة الفرس والروم الذين كونوا إمبراطوريات في أقاصي الأرض .... أين هم الآن وماذا حل بهم ؟

هل لي أن أذكركم بالإتحاد السوفيتي الذي كان القوة العظمي الثانية في العالم ..... أين هم الآن وماذا حل بهم ؟

وطبعا سيخرج علي البعض ليقول لي أن كل هذه الدول قد خرجت من ساحة النزال بعقاب إلهي لتَجبُرهم في الأرض ... ولن أعارض هذا المبدأ وإن كنت لازلت علي قناعة أن بزوغ نجم هذه الأمم وأفولها ماهو إلا إثبات للمبدأ الأساسي أن الحياة تسير بنا في مسار منحني بين الصعود والهبوط وأنه لايمكن لأحد مهما كانت قوته أو جبروته أو إمكانياته أو قدراته أن يستمر إلي الأبد في الصعود أو حتي في الحفاظ علي القمة ، ليس لضعفه أو إنهزاميته ولكن لإن هذا هو أساس الخلق الذي يجب علينا قبوله والعمل به. لن نظل قابعين في القاع حتي وإن عملنا جاهدين لنبقي تحت كما أننا لن نستطيع أن نحافظ علي الصدارة حتي وإن منعنا الأخريين من الإقتراب منها.

وحتي نكون أكثر واقعية ولايأخذنا الحديث عن الماضي إلي مسألة فلسفية يقبلها البعض ويرفضها البعض الآخر ، فإنني أذكركم هنا بما حدث من عشرين سنة فقط عندما كانت الكويت دولة أمنه يعمل بها الكثير من المصريين منذ عشرات السنين وقد إستطاعوا أن يكونوا ثروة من مجهودهم وتعبهم تقيهم شر الزمان . ولكن ماذا حدث ؟

بات إخواننا من المصريين وغيرهم من الجنسيات الأخري ليلتهم وكل منهم يمتلك في البنك مدخرات عمره التي عمل جاهدا لتكوينها وهو لايشك للحظة أن تكون هذه هي الليلة الأخيرة له مع ثروته ، ليصحو في صباح اليوم التالي ليجد نفسه وهو لايجد ثمن جالونات البنزين التي ستخرجه من نار الغزو ، يصحو ليجد نفسه وقد أخذ طريق المنحدر السفلي حيث ذهبت كل قوته المالية والوظيفية والإجتماعية أدراج الرياح.

فجأة وبدون أي مقدمات تبدل الأمر من شدة القوة إلي منتهي الضعف .......

فجأة وبدون مقدمات تبدل الأمر من أعلي المنحني إلي القاع .........

فجأة وبدون مقدمات أصبح المصري الذي لم يجد فرصه للسفر إلي الخارج ليحسن من وضعه ، هو نفسه من يعطف علي أخيه المصري الذي كان يملك بالأمس – الأمس القريب جدا – مايحسده عليه الكثيرين.



إنني لاأتحدث عن أقوام لم نراهم ولم نعايشهم مثل قوم عاد وثمود ، إنني لا أتحدث عن أقوام نري شواهد حضارتهم ولانعلم سر قوتهم مثل الفراعنة القدامي ، إنني لاأتحدث عن إمبراطوريات حاربها أجدادنا ولانعلم منهم إلا ماذكرته الكتب والسير مثل الفرس والرومان . إنني أتحدث عن إخواننا الذين عايشناهم ورأينا منحنيات صعودهم وهبوطهم رُأي العين.

إنني أتحدث عن تجربة رأيناها جميعا وعايشناها ، بل ولايوجد بيت عربي واحد يخلو من قصة أو مأساة حدثت له أو لأحد من أقربائه في هذا الحدث .....

نعم .... هذه هي الحياة بعض الوقت فوق إلي أقصي حد والبعض الآخر تحت إلي الحد الأقصي ......

وهو ماأعتقد أنه يماثل نظرية المرجيحة التي كنا جميعا نلعبها ونحن صغارا ، نقف في المرجيحة وهي ساكنه في إنتظار أن يدفعنا أحد ثم نبذل مجهودا في توليد قوة دفع لترفعنا إلي أعلي ثم ننتظر لحظات الهبوط لنستريح حتي إذا ماأقتربنا من القاع قمنا بالتحرك مرة أخري لتوليد قوة دفع إضافية لتعلو بنا مرة أخري إلي أعلي .... وهكذا دواليك حتي نهاية اللعبة.

فإن كنا نصدق أننا في طريقنا إلي القاع وأننا إقتربنا جدا من نهاية الهوة ، فإنني أعتقد أن شدة الإنحدار الذي سرنا فيه لابد وأن تولد فينا طاقة دفع يمكن إستغلالها لتعلو بنا مرة أخري إلي أعلي شريطة أن لانقوم نحن بتوليد مقاومة إعاقة لقوة الدفع الذاتية المتولدة عن شدة الإنحدار.

عندما نشكك في قدرتنا علي التغيير ....... فهذه هي مقاومة لقوة الدفع الذاتية

عندما نري أنه لايوجد حل .............. فهذه هي مقاومة لقوة الدفع الذاتية

عندما نستسلم لثقافة الذراع ........ فهذه هي مقاومة لقوة الدفع الذاتية

عندما نقبل أن نُستحَل ............. فهذه هي مقاومة لقوة الدفع الذاتية

إنني علي يقين أننا في طريقنا إلي أعلي لإننا قد قاربنا الوصول إلي أدني مستويات القاع في كل شئ .......

في الأغاني إنحدرنا حتي أننا أصبحنا نخاف علي أولادنا من الأغاني وكلماتها المتدنية وتصويرها الذي يخاطب الغرائز وألحانها التي لاتنم عن أي إبداع

في الرياضة إنحدرنا حتي أصبحت ملاعبنا ساحة قتال وتراشق تخبرنا عن قتل الروح الرياضية مع سبق الإصرار والترصد وأصبح ميلاد بطل أوليمبي كل عشر سنوات هو عيد قومي نحتفل به

في الصناعة إنحدرنا حتي أصبحنا لانبتكر أي منتج جديد ونكتفي فقط بتجميع مايبتكره الأخرين لنقوم ببيعه في أسواقنا وبمستوي جودة ....... حدث ولا حرج

في التعليم إنحدرنا حتي أصبحنا نبحث عن الطرق الشرعية وغير الشرعية التي تمكن أولادنا من الحصول علي أعلي الدرجات للإلتحاق بكليات القمة ولانبحث عن ماتعلمه أولادنا حقا

نعم إننا نجري في المنحدر بسرعة ولانستطيع إيقاف إنحدارنا لأننا بدأنا في فقد القدرة علي الإيقاف ، ولكن هذا لايعني أن نفقد الأمل في أننا نستطيع أن نعلو مرة أخري.

إننا الآن في أفضل وقت للصعود مرة أخري إذا نحن أردنا وإقتنعنا أن هذه هي سنة الحياة ، وأن الهبوط هو بداية أكيدة للصعود والترقي في دورة الحياة كما أرادها الله سبحانه وتعالي لبني أدم.

لإننا نسير نحو قاع الهوة فإن مساحة الرؤية لدينا تتسع بحيث نستطيع رؤية أدق تفاصيل الإنحدار الذي نحياه ونستطيع أن نري مشاكلنا عن قرب بل ونعيشها لتؤثر فينا وفي قرارتنا وهو ما لايكون متاحا عندما نكون في منطقة أعلي لإننا كلما زدنا في الإتفاع كانت حجم الرؤية لدينا أقل وهو ماتستطيعون تصوره لشخص ينظر إلي الشارع من الطابق العاشر حيث يري السيارة بحجم علبة الكبريت ولشخص أخر ينظر من الطابق الأول حيث يستطيع أن يري ويتعرف علي من يجلس داخل السيارة بل ويتحدث إليه إيضا إن أراد.

نعم ... إننا ننحدر متجهين إلي القاع ولكننا نستطيع الآن أن نري مشاكلنا عن قرب وأن نري تفاصيلها بمنتهي الدقة وأن نعرف حجم المخاطر التي تحيط بنا من كل جهة ومدي تأثرنا بها إن نحن إستسلمنا لها. وهو مايعطينا ميزة إتساع الرؤية للمشاكل وبالتبعية لإمكانية الحل.

دعونا نركب المرجيحة الآن ونقوم بالدفع بمنتهي القوة لإننا قريبين من القاع حتي نستطيع أن ندفع المرجيحة إلي أعلي مرة أخري وأن نبدأ دورة جديدة من الترقي قد تأخذ وقتا طويلا بحيث لايسعفنا الوقت لكي نستمتع بلحظة الوصول إلي القمة ولكن علي الأكيد أن أولادنا من بعدنا سيستطيعون جني مازرعته أيدينا.

لماذا يجد المتذرعون الموارد المالية والبشرية والفكرية لإنتاج قنواتهم الفضائية التي تعيث في الأرض الفساد ولانستطيع نحن توحيد جبهتنا لتوفير الموارد التي نحتاجها لإنتاج قنوات تتصدي لهؤلاء المتذرعين ؟

لماذا يستطيع المتذرعون إيصال أفكارهم إلينا عن طريق جريدة أو مجلة تحوي من توافه الأمور الكثير ولانستطيع نحن أن نرد عليهم ولو بجريدة واحدة تدفع بنا إلي أعلي ؟

لماذا يستطيع المتذرعون أن يفرضوا متطلباتهم علينا في موقف السيارات ومحطة البنزين ودورات المياه ولانقرر أننا لن نُستحَل بعد الآن وأننا لن نعطي إلا لمن يستحق ولمن يؤدي خدمة نطلبها لا خدمة هو يريدها ؟

ألف لماذا تدور في الأذهان ولكن الإجابة تظل واحدة ......

الآن ، والآن فقط يجب علينا أن نقرر أننا نرفض أن نُستحَل أكثر من ذلك وأن يبدأ كل من بنفسه وهو علي أتم القناعة أنه واحد صحيح وأنه يستطيع التغيير إذا أراد.

لاتقول أنك واحد علي ثمانين مليون لإن النتيجة ستكون سلبية عليك وعلينا وعليهم ، بل كن علي قناعة أنك واحد في ثمانين مليون حيث النتيجة هي بالأكيد ثمانين مليون.

عملية حسابية بسيطة ولكن نتيجتها مذهلة ..... إن كنت تستطيع إجرائها.

ليست هناك تعليقات: